Telegram Group & Telegram Channel
الجواد إذا عثر! وقفتان مع تواضع الكسائي.

في تراثنا العلمي مشاهد تبقى مصابيح هدى، لا تُقرأ لمجرد المتعة، بل لتُغرس في القلب خلقًا، وتُستعاد في المواقف زادًا.

ومن أبهى هذه المشاهد: ما نُقل عن الإمام الكسائي الذي توفي سنة [١٨٩هـ] أحد أركان الكوفة في النحو والقراءات، وإمام العربية المشهور.

حيثُ روى سلمة، عن الفراء، عن الكسائي، أنه قال: “ربما سبقني لساني باللحن!”.

هنا تتجلى قيمة هذا القول لا في مضمونه فحسب، بل في قائله؛ فهو لسانٌ أقام قواعد العربية، ومع ذلك لم يجد بأسًا أن يُقرّ بأن اللسان قد يزل، وأن الإنسان – مهما علا – يبقى بشرًا.

ثم يروي ابن مسروق، عن سلمة، عن عاصم، عن الكسائي، موقفًا أعجب، يقول: “صليتُ بالرشيد، فأخطأتُ في آيةٍ ما أخطأ فيها صبي، قلت: لعلهم يرجعين! فوالله، ما اجترأ الرشيد أن يقول: أخطأت، ولكن قال: أي لغةٍ هذه؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، قد يعثر الجواد! قال: أما هذا، فنعم!”.

تأمل هذا الموقف: خطأ في آية يتعلمها الصغار، يصدر من إمام القراءات على منبر الصلاة، أمام الخليفة! ومع ذلك لم يُنكر، ولم يُؤوّل، بل واجه الزلة بصدق العارف، وثبات الواثق، وقال: “قد يعثر الجواد”.

وهكذا يكون الكبار: يعرفون قدر أنفسهم فلا يتهيبون من عثرة، ولا يتضعضعون أمام هفوة.

فالعالِم الحق لا تُسقطه الزلّة، بل يرفعه صدقُه في الاعتراف بها، والخطأ لا يُنقص من القدر، وإنما الذي يُنقص هو العناد والمراء، وتكلف العصمة.

لقد وعى الكسائي أن اللسان آلة، وأن السهو سنة بشرية، فكان في منطقه صدق، وفي اعترافه عز.

فيا من طلبت العلم، أو انتسبت لأهله، أو رغبت في التقدُّم في بيانه:
التواضع.. التواضع.. فـ”قد يعثر الجواد”… ولكن الجواد الأصيل لا يكفّ عن الجري!



tg-me.com/https3E/629
Create:
Last Update:

الجواد إذا عثر! وقفتان مع تواضع الكسائي.

في تراثنا العلمي مشاهد تبقى مصابيح هدى، لا تُقرأ لمجرد المتعة، بل لتُغرس في القلب خلقًا، وتُستعاد في المواقف زادًا.

ومن أبهى هذه المشاهد: ما نُقل عن الإمام الكسائي الذي توفي سنة [١٨٩هـ] أحد أركان الكوفة في النحو والقراءات، وإمام العربية المشهور.

حيثُ روى سلمة، عن الفراء، عن الكسائي، أنه قال: “ربما سبقني لساني باللحن!”.

هنا تتجلى قيمة هذا القول لا في مضمونه فحسب، بل في قائله؛ فهو لسانٌ أقام قواعد العربية، ومع ذلك لم يجد بأسًا أن يُقرّ بأن اللسان قد يزل، وأن الإنسان – مهما علا – يبقى بشرًا.

ثم يروي ابن مسروق، عن سلمة، عن عاصم، عن الكسائي، موقفًا أعجب، يقول: “صليتُ بالرشيد، فأخطأتُ في آيةٍ ما أخطأ فيها صبي، قلت: لعلهم يرجعين! فوالله، ما اجترأ الرشيد أن يقول: أخطأت، ولكن قال: أي لغةٍ هذه؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، قد يعثر الجواد! قال: أما هذا، فنعم!”.

تأمل هذا الموقف: خطأ في آية يتعلمها الصغار، يصدر من إمام القراءات على منبر الصلاة، أمام الخليفة! ومع ذلك لم يُنكر، ولم يُؤوّل، بل واجه الزلة بصدق العارف، وثبات الواثق، وقال: “قد يعثر الجواد”.

وهكذا يكون الكبار: يعرفون قدر أنفسهم فلا يتهيبون من عثرة، ولا يتضعضعون أمام هفوة.

فالعالِم الحق لا تُسقطه الزلّة، بل يرفعه صدقُه في الاعتراف بها، والخطأ لا يُنقص من القدر، وإنما الذي يُنقص هو العناد والمراء، وتكلف العصمة.

لقد وعى الكسائي أن اللسان آلة، وأن السهو سنة بشرية، فكان في منطقه صدق، وفي اعترافه عز.

فيا من طلبت العلم، أو انتسبت لأهله، أو رغبت في التقدُّم في بيانه:
التواضع.. التواضع.. فـ”قد يعثر الجواد”… ولكن الجواد الأصيل لا يكفّ عن الجري!

BY قناة د. عبداللطيف التويجري


Warning: Undefined variable $i in /var/www/tg-me/post.php on line 283

Share with your friend now:
tg-me.com/https3E/629

View MORE
Open in Telegram


قناة د عبداللطيف التويجري Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

What is Telegram?

Telegram’s stand out feature is its encryption scheme that keeps messages and media secure in transit. The scheme is known as MTProto and is based on 256-bit AES encryption, RSA encryption, and Diffie-Hellman key exchange. The result of this complicated and technical-sounding jargon? A messaging service that claims to keep your data safe.Why do we say claims? When dealing with security, you always want to leave room for scrutiny, and a few cryptography experts have criticized the system. Overall, any level of encryption is better than none, but a level of discretion should always be observed with any online connected system, even Telegram.

That growth environment will include rising inflation and interest rates. Those upward shifts naturally accompany healthy growth periods as the demand for resources, products and services rise. Importantly, the Federal Reserve has laid out the rationale for not interfering with that natural growth transition.It's not exactly a fad, but there is a widespread willingness to pay up for a growth story. Classic fundamental analysis takes a back seat. Even negative earnings are ignored. In fact, positive earnings seem to be a limiting measure, producing the question, "Is that all you've got?" The preference is a vision of untold riches when the exciting story plays out as expected.

قناة د عبداللطيف التويجري from us


Telegram قناة د. عبداللطيف التويجري
FROM USA